الاعلانات التي تملأ بعض صحف الخليج، وصدارة مجلة <باري ماتش> باللغة العربية، وتغري بالهجرة الى كندا، ينبغي أن نقف عندها طويلاً ولا نجعلها تمر مرور الكرام.

   اعلان <الباري ماتش> أفاد بأن كندا تستقبل كل سنة ربع مليون مهاجر، وتقدم تسهيلات في الحصول على التأشيرة..

   وفي ربع المليون مهاجر الى كندا كل سنة ثلاثمئة لبناني ولبنانية على الأقل، ورغم أن العدد غير مخيف، إلا أنه مع الأيام، ومع تزايد هذه الهجرة الى البلد الواقع على الضفة الأخرى من شلال <نياغارا> يصبح مخيفاً.

   ومثل كندا التي يتزايد فيها عدد أبناء الجالية اللبنانية سنة بعد سنة، هناك استراليا التي استقطبت ألوف اللبنانيين، بدءاً من أبناء الضنية وقضاء زغرتا وعكار. واغراءات الهجرة الى استراليا تتمثل في اعلانات على صفحات الجرائد والمجلات الاسترالية تنص على الآتي< أرملة وحيدة تملك مزرعة دواجن وماشية تطلب عريساً من لبنان أو أحد بلدان الشرق الأوسط، و<دوطة> الزفاف قسم من المزرعة تكتبه باسمه>.. وهناك مواطن من طرابلس، شقيق لصحافي راحل، استطاب العرض وسافر الى استراليا مع رسالة دعم للسفارة الاسترالية في بيروت من صاحبة الاعلان.

   نحن في الأساس لسنا ضد البحث عن الأرزاق خارج لبنان. فثمة وصية للأب الفرنسي الراحل <جوزف دوبريه> عندما جاء لبنان على رأس بعثة <ايرفد> عام 1960 تقول إن هجرة الفرد اللبناني الى الخليج، أو بلدان أخرى غنية، مقبولة على أساس أنها تدعم العائلة التي ينتمي إليها في لبنان. وهو يفضل ألا يسميها هجرة، بل عملية انتقال للبحث عن الرزق. أما إذا كان الموضوع يتعلق بهجرة عائلة، لا بهجرة فرد، فهو ضد هذه الهجرة لأنها تجويف لعائلة الوطن، وإنشاء فراغ سكاني يستغله الطامعون في رزق لبنان!

   لقد عرف لبنان الهجرة من القرن التاسع عشر، إما بدافع فرار من الاحتلال العثماني، أو بدافع هرب من الانتداب الفرنسي بعد ذلك. وكان على رأس هؤلاء المهاجرين العبقري الكبير جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وايليا أبو ماضي، ونسيب عريضة، ومن هؤلاء عاد الى الوطن ميخائيل نعيمة ليضع كتابه الأول <سبعون>، ثم كتابه الثاني <تسعون>، إشارة الى عمره، وقد تشبث بأرض الجبل حتى سمي بفيلسوف الفريكة، بنت المتن. إلا أن الترويج للهجرة الى كندا، يحمل معنى آخر، وهو تفريغ لبنان من شبابه، تمهيداً لمشاريع التوطين، أو التقسيم، وليس من أجل كحل العيون!

   إن لبناناً آخر ينشأ في كندا الآن، وفيه منتمون الى 14 آذار، ومنتمون الى 8 آذار، على حساب حاجة الوطن الى دم الشباب. ولكن المشكلة أن هجرة الشخص تصبح مع الأيام هجرة عائلة، وهو ما حذر منه الأب <دوبريه> عندما طلبه الرئيس فؤاد شهاب لتنظيم الادارة في لبنان، ونزل ضيفاً على راهبات <الدومينيكان> في شارع فردان.

   ولو أردنا أن نحصي عدد اللبنانيين المنتشرين في الخارج، بين استراليا وكندا، وفرنسا، والبرازيل، وفنزويلا، وبريطانيا، والأكوادور، لرأينا العدد يصل الى 4 ملايين لبناني. وطن آخر ينشأ خارج لبنان تحت شعار الأرزة..

   فهل هذا هو المطلوب؟

    اسألوا اعلانات كندا المنتشرة في صحف الخليج ومجلات فرنسا هذه الأيام، مقابل أن يصبح لبنان خارج... لبنان!