تفاصيل الخبر

سمرقند والأصدقاء الثلاثة

22/03/2014
سمرقند والأصدقاء الثلاثة

سمرقند والأصدقاء الثلاثة

معلوف مؤلف كتاب «سمرقند»، بلد الشاعر والمفكر والفلكي عمر الخيام وأيضاً بلد حسن الصباح ونظام المُلك. تفجّرت الانتقادات لديّ عند قراءتي لهذه القصة التي كانت مختلفة عن غيرها، انها اكثر من رائعة. بدا لي أمين معلوف روائي الشرق بامتياز، فلقد أخذني على بساط الريح وجعلني أهبط على الوقائع التاريخية من الصراعات في أوقات مختلفة لقضايا مشابهة للوضع الحالي في الشرق، مقسّمة وفقاً لمصالح سياسية أو دينية، غايتها السلطة أو بعض «الكنوز المدفونة». القصة جميلة ، تروي تاريخ شعوب وحكامها، انها قصة قادة طامعين في ملك الغير، متجاهلين أصالة تلك الشعوب. عند قراءة القصة، غرقت للحظات من الوقت، متأمّلاً العناد والاستبداد والجهل.

عمر الخيام عالم وفيلسوف وشاعر فارسي، مسلم، ويذهب البعض إلى أنه من أصول عربية. وُلِدَ في خراسان، وتوفي عن عمر83 عاماً (1131م). تخصّص في علوم الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ. وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات والمعادلات الجبرية  وهو صاحب الرباعيات المشهورة. اشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملك شاه، الذي أصبح التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم. انه تقويم سنوي بالغ في الدقة.

كان الخيام يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد الثلاثة على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرَين، وهذا ما كان. فلما أصبح الصديق نظام الملك وزيراً للسلطان ألب أرسلان ثم لحفيده ملك شاه، خُصصَ لعمر الخيام معاش من بيت المال، فضمن له العيش في رفاهية مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة. وقد عاش معظم حياته في نيسابور وسمرقند. وكان يتنقل بين مراكز العلم الكبرى مثل بخارى وبلخ وأصفهان رغبة منه في التزود من العلم وتبادل الأفكار مع العلماء. وهكذا صار لدى الخيام الوقت الكافي للتفكير بأمور وأسرار الحياة. أما صديقهما الثالث وهو الشاعر حسن الصباح، فقد أسس في عام 1090م طائفة الحشاشين، وهي طائفة إسماعيلية.

غرس «الصباح» في نفوس أتباعه كونه السيد والامام والمولى وأن الله تعالى قد أعطاه مفتاح الفردوس يفتحه لمن يشاء من أتباعه. أنشأ الصباح هذا الفردوس في «قلعة الموت» وهي حصن جبلي، شمال شرق قرية «غاسلي خان» فوق جبل من الصخور الصلبة، على ارتفاع 2100 متر فوق مستوى سطح البحر. اهتم الصباح بالجانب الآخر من القلعة حيث بنى ما يشبه الجنة من حدائق تخترقها الأنهار وتملؤها الطيور والأزهار واشترى العديد من الفتيات الجميلات الفاتنات، يخدمهن فتيان مخصيون واسكنهن القلعة وجلب لهن من يعلِّمهن الفنون والشعر والرقص ويجعلهن يعشن مثل الأميرات. وقبل كل شيء، كان يقوم بتعليم حاشيته الولاء التام له والطاعة العمياء لأوامره.

عندما كان «الصباح» يفكِّر فى خطة لاغتيال أي زعيم، فإنه ينتدب لها احد فدائييه؛ فيدخله فردوسه. يوضع له الحشيش في المساء في طعامه، وعندها يغيب عن وعيه ولا يصحو الاّ ليجد نفسه في الفردوس، على أصوات الفتيات الجميلات التي تتمثّل له بالحوريات، فيأخذن بالعزف على الناي والرقص له وهو الفتى الذي لم يواجه فى حياته أي فتنة أو اغراء . ويقوم الفتى بعمل كل شيء حُرِّم عليه في الجانب الآخر من القلعة ظناً منه أنه في الجنة. ثم تقوم الفتيات بتخديره، فيصحو في سريره وبالطريقة نفسها وكأنه في حلم. حينئذ يؤمن الفتى بأنه كان في الجنة وأن سيده الصباح فتح له باب الفردوس. فيكون من الطبيعي أن يستجيب الفدائي لكل ما يطلبه منه معلِّمه حتى ولو كان في الأمر مصرعه. وهنا يفترق الصديقان، الصبّاح والخيّام.

فسّر البعض رباعيات الخيام على أنها إلحاد، كونها تدعو إلى اللهو والفحش، حسب منظورهم. بينما يرى الفريق الأكبر أنه مات مسلماً. رباعيّاته تدعو بجملتها إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية، إلا أن المتتبع لحياة الخيام يرى أنه عالم جليل وذو أخلاق سامية، ويقول الخيام في رباعياته:

لبستُ ثوب العمر لـم أُسْتَشَـرْ

وحرت فيه بيـن شتّـى الفكـر

وسوف أنضو الثوب عني ولـم

أدركْ لمـاذا جئـتُ أيـن المقـر

ومن رباعياته أيضا ما يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي وتقويم النفس البشرية حيث يقول صاحب من الناس كبار العقول

واترك الجهال اهل الفضول

واشرب نقيع السم من عاقلِ

واسكب على الأرض دواء الجَهول

ومن الرباعيات ذات الدلالة على اتجاهه الديني أيضا تلك التي ينشدها قائلاً :

إن لم اكن اخلصت في طاعتك

فإني اطمع في رحمتك

وإنما يشفع لي أنني

قد عشت لا اشرك في وحدتك.