تفاصيل الخبر

من يحمي الودائع في البنوك الغربية؟

24/03/2023
من يحمي الودائع في البنوك الغربية؟

بقلم خالد عوض

 

النظام المصرفي العالمي ليس بخير. الأسباب كثيرة ومتراكمة، ولكن الخطر الأكبر الذي يلوح أمام مصارف العالم اليوم هو تراجع الثقة. كلمة واحدة في الاتجاه الخاطئ من مسؤول مالي يمكن أن تتسب بانهيار مصرف أو عدة مصارف. ما حدث في "بنك سيليكون فالي" منذ أسبوع كان نتيجة مباشرة لتبادل آراء على مجموعة "واتس آب" بين عشرات المودعين في البنك خلال عطلة نهاية الأسبوع قرروا بعد تداولاتهم أن يسحبوا ودائعهم من البنك صباح الإثنين. في هذا الصباح سقط البنك. إستقرار النظام المصرفي العالمي اليوم أصبح هشاً لدرجة أنه أصبح مرتبطاً بكلمة من هنا أو هناك.



لعبة الفوائد تضرب من جديد

بعد إنهيار "بنك سيليكون فالي" توجهت الأنظار إلى عدة مصارف في العالم تعاني من نفس المشكلة التي تسببت بانهيار البنك الأميركي. هناك بنوك كثيرة استثمرت في سندات الخزينة الأميركية طويلة الأمد بفوائد أصبحت تعتبر ضئيلة جداً مقارنة بالفوائد الحالية على الدولار. خلال الاسابيع الماضية بدأت هذه السندات تخسر من قيمتها بسرعة بسبب الهوامش المتزايدة بين الفوائد القصيرة الأجل التي أخذ يرفعها الاحتياطي الفدرالي الأميركي منذ انتهاء أزمة الكوفيد، والفوائد  المتواضعة على سندات الخزينة الأميركية  الطويلة الأجل التي تراجعت قيمتها مؤخراً بحدة. بعض المصارف استثمرت ثم استدانت مقابل هذه السندات لتقرض زبائنها. وعندما بدأ مودعوها يطالبون بتحويل سنداتهم وودائعهم طويلة الأجل إلى ودائع قصيرة الأجل كان على البنوك إما رفض ذلك والمماطلة  والتسبب بهلع لدى المودعين كما فعل "بنك سيليكون فالي، أو تكبد خسارة كبيرة من جراء بيع السندات. كل مصارف العالم التي استثمرت في سندات الخزينة الأمريكية الطويلة الأجل ورهنت هذه السندات للحصول على تسهيلات مالية باتت معرضة اليوم للانهيار. الأمر الوحيد الذي يحميها حالياً هو عدم الكلام عنها.

  الرئيس الأميركي "جو بايدن": الأزمة المالية التي تدق أبواب إدارته يمكن أن تهدد الإقتصاد الأميركي أكثر بكثير من الصين

 

كلمات كلفت مليارات  

كلام الناس والإعلام أصاب بنك "كريدي سويس" السويسري الذي كان يعاني أساساً من عدة فضائح مالية منذ حوالي سنة، قبل أن تأتي أزمة البنكين الأميركين "سيليكون فالي" ثم بنك "سيغناتور" في نيويورك لتعيد التركيز عليه. كان يمكن للمصرف السويسري أن يتجنب الأزمة. ولكنه سقط بسرعة بسبب تعليق أحد المستثمرين الكبار فيه. فعندما سئل رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي السعودي  "عمار الخضيري" إن كان بإمكان مصرفه زيادة حصته في "كريدي سويس" كان الجواب "قطعاً لا". الخضيري كان يقصد أن الأطر القانونية تمنع البنك من زيادة حصته فوق ١٠ بالمئة ولكن ترجمة كلامه كانت أن البنك الأهلي السعودي غير مستعد للتدخل لأن حالة "كريدي سويس" ميئوس منها. إنهارت قيمة أسهم "كريدي سويس" بعد كلام الخضيري ثم تدخل البنك المركزي السويسري بمد سيولة طارئة وأقنع بنك "يو. بي. أس" (اتحاد البنوك السويسرية)  بشراء "كريدي سويس" بـ ٣ مليار فرنك سويسري،  بينما كان سعره السوقي قبل تصريح الخضيري أكثر من ثلاثة أضعاف هذا الرقم.

 

 رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي السعودي "عمار الخضيري": هل عجل تصريحه بسقوط "كريدي سويس"؟

 

الحرب على التضخم: مع وقف التنفيذ 

رغم كل البلبلة التي أصابت القطاع المصرفي العالمي وذكرت بأيام انهيار "ليمان براذرس" عام ٢٠٠٨ تابع البنك المركزي الأميركي مسيرة رفع الفوائد، ولو بتواضع، فزاد ربع نقطة في ٢٢ آذار (مارس) بعد أن كان يلوح قبل أسبوعين فقط بأنه سيقضي على التضخم ويعيد نسبته الى ٢ بالمئة عن طريق رفع أكبر للفائدة وبوتيرة متسارعة. حرب رئيس الإتحاد الفدرالي الأميركي "جيروم باول" على التضخم لجمها خوفه من تكرار الإفلاسات في البنوك بسبب امكانية المزيد من هرولة الناس لتحويل مدخراتها إلى ودائع قصيرة الأجل طمعاً بالفوائد المرتفعة. هذا التراجع الواضح في سياسة البنك المركزي الأميركي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التضخم إلى مستويات قياسية وهذا ما أدى إلى ارتفاع سعر الذهب، فلامس سعر الأونصة ٢٠٠٠ دولار، ويبدو أن الحبل على الجرار.

  رئيس الأحتياطي الأميركي "جيروم باول": الخيار الصعب بين محاربة التضخم ومنع انهيار المصارف

المودعون (غير) مؤمنين 

في مقابل سياسة البنك المركزي الأميركي المترددة، اطلقت وزيرة الخزانة الأميركية "جانيت يلين" تصاريح متناقضة وأكثر تردداً. فبعدما كانت قد أشارت إلى أن الإدارة الأميركية ستحاول ضمان كل الودائع في البنوك الأميركية حتى التي تفوق الحد الذي تضمنه المؤسسة الفدرالية لضمان الودائع  (FDIC) أي ٢٥٠ ألف دولار، عادت عن وعودها في تصريح جديد بعد ٢٤ ساعة وقالت أن هكذا ضمان يتطلب موافقة الكونغرس. صحيح أن الرئيس الأميركي"جو بايدن"  أنقذ المودعين في البنكين المتعثرين وحمل الخسائر للمساهمين ، الا  أن هناك تخوفاً جدياً في الولايات المتحدة من أن الإدارة الأميركية لن تتمكن من حماية كل المودعين في حال توالت افلاسات المصارف،  ولذلك بدأ الكثير من المودعين في البنوك المتوسطة والصغيرة تحويل أموالهم إلى البنوك الأكبر التي من المفروض أنها أكثر ملاءة وقادرة على خلق السيولة.

     

الأشهر المقبلة يمكن أن تكون حبلى بالأزمات المالية. فوقوع مصرفين اميركيين وآخر سويسري خلال أسبوع، ينذر بتبعات مالية لن تتوقف عند ثلاثة بنوك فقط. هناك مؤشرات أن المصارف المركزية الغربية على وشك خسارة الحرب على التضخم  التي يقودوها بسلاح رفع الفوائد. هذا السلاح عطله شح السيولة في المصارف مما فرض خيارا صعبا على الحكام المركزيين في الولايات المتحدة وأوروبا: إما الإستسلام أمام التضخم وترك ارتفاع الأسعار يلتهم قدرة الناس الشرائية، أو المجازفة بأموال المودعين في المصارف.

 وزيرة الخزينة الأميركية "جانيت يلين": التدخل لحماية المودعين بكل الإمكانيات المتاحة