تفاصيل الخبر

" المحكمة الخاصة بلبنان" طوت اوراقها وتفّرق قضاتها لعدم توافر المال اللازم لاستمرارها....

25/01/2023
" المحكمة الخاصة بلبنان" طوت اوراقها وتفّرق قضاتها  لعدم توافر المال اللازم لاستمرارها....

مبنى المحكمة الدولية من الخارج

 

بهدوء، وبعيدا عن اي ضجة، سياسية او اعلامية، اعلنت المحكمة الخاصة بلبنان التي كانت تتولى النظر في جريمة استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، اغلاق ابوابها نهاية سنة 2022 بعد 13 عاما على افتتاحها، وغادر معظم القضاة مقر المحكمة في ضاحية " لايسندام" قرب لاهاي في هولندا ولم يبق فيها لتصريف الاعمال وانجاز ما تبقى من مهام سوى 11 موظفا من المتعسر تأمين نفقاتهم لاسيما وان لا مساهمات معلنة ولا تبرعات متوقعة للعام 2023! وهكذا طوت المحكمة الخاصة بلبنان اوراقها من دون ان تتابع النظر في القضايا المتصلة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري، ومن دون ان تصدر مواقف او ردود فعل حيال هذه المحكمة التي ضج بها العالم طوال سنوات الى حين اصدار حكمها بادانة 4 اشخاص ينتمون الى حزب الله بالتخطيط والاشتراك في تنفيذ الجريمة في 14 شباط (فبراير) 2005.

 

مسار اقفال ابواب المحكمة الخاصة بلبنان، او المحكمة الدولية كما هو متعارف على تسميتها، بدأ قبل سنتين حين ارتفعت اصوات القضاة يشكون من عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتسيير المحكمة وتأمين رواتب العاملين فيها ونفقات تشغيلها. وفي 23 تشرين الثاني( نوفمبر) الماضي صدر تقرير عن الجمعية العامة للامم المتحدة اشار الى " استخدام " الاعانة لعام 2022 وطلب تقديم اعانة للمحكمة الخاصة للعام 2023. لقد استند هذا الطلب الى تقرير صادر عن الامين العام للامم المتحدة" انطونيو غوتييريس" يشير فيه الى ان الامم المتحدة وحكومة لبنان اتفقتا على خطة انجاز للمحكمة وبموجبها يتوقع ان تؤدي المحكمة مهامها المتبقية المحدودة اعتبارا من اول تموز ( يوليو) الماضي وحتى نهاية 2023، مع " عصر" للنفقات ومغادرة المبنى المستأجر الخاص بها، والابقاء على 11 موظفا فقط، وبذلك بدأت عمليا مرحلة التصفية او حسب التسمية الرسمية " مرحلة تصريف الاعمال المتبقية بعد انتهاء انشطتها القضائية". ويقتصر هذا التجديد النهائي للولاية على ولاية غير " قضائية" تركز على انجاز المهام المتبقية غير القضائية". وهذا يعني ان المحكمة اكتفت باصدار حكمها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري على سليم عياش ورفاقه، في حين ان القضية " المتلازمة"- وفق تعبير المحكمة نفسها" اي اغتيال الشهيد جورج حاوي ومحاولتي اغتيال مروان حمادة والياس المر، تم " ختم" النظر فيها لعدم توافر موارد كافية لتمويل عمل المحكمة.

 

لبنان دفع نحو مليار دولار من نفقات المحكمة

وتشير التقارير التي اعدت حول الانفاق المالي للمحكمة ان لبنان دفع نحو مليار دولار من نفقات المحكمة التي كانت الحكومة اللبنانية تتحمل 51 في المئة منها، علما ان الامم المتحدة لم تجد في العام 2022 الا دولة واحدة تبرعت بـــ 20 الف دولار فقط. وكانت الدول المانحة لميزانية المحكمة قالت فعليا كلمتها العام الماضي ولم تقدم تبرعات في هذا الصدد، علما ان التقارير الصادرة  عن الامين العام للامم المتحدة والجمعية العامة واللجنة الاستشارية في شؤون الادارة والميزانية كانت لحظت ميزانية متوقعة للعام 2023 هي 2,97 مليون دولار، في وقت لم تتمكن المحكمة من تغطية كامل نفقاتها للعام 2022، وتؤكّد هذه التقارير التي تحدّثت عن "الصعوبات المالية" التي تواجه المحكمة أنّ "التبرّعات المقدّمة إلى المحكمة بقيت تتراجع على مر السنين؛ حيث انخفضت من 22.7 مليون دولار في عام 2019 إلى 20.5 مليون دولار في عام 2020 و8.1 مليون دولار في عام 2021 و كان من المتوقع أن تصل إلى مليون دولار في عام 2022 (...). ولم تكن هناك مساهمات معلنة لعام 2023 ومن غير الواضح ما إذا كانت حكومة لبنان ستستطيع تقديم مساهمة للمحكمة في عام 2023". كما لاحظت اللجنة الاستشاريّة "بقلق عدم وجود تبرّعات متوقعة لعام 2023 وتوصي الجمعية العامة بأن تُشجّع جميع الدول الأعضاء على تقديم دعم طوعي إلى المحكمة"، معلنةً أنّ "حاجات المحكمة من 1 كانون الثاني(يناير) إلى 31 كانون الأوّل(ديسمبر)  2023 تُقدّر بـ2.97 مليون دولار أميركي". ومن بين حاجات الإنفاق، مليون ونصف المليون دولار لتغطية تكاليف 11 موظفاً (بعد مغادرة 41 موظفاً): رئيس قلم المحكمة، موظف قانوني، موظف إداري، 4 موظفين لتكنولوجيا المعلومات، موظفان لشؤون المحفوظات، موظف غير متفرّغ في مكتب المدّعي العام، موظّف في الغرف لفترة قصيرة... إضافة إلى مليون نصف المليون دولار تقريباً لتغطية تكاليف التعويضات الممنوحة لغير الموظفين والخبراء الاستشاريين والخدمات التعاقديّة ومصروفات التشغيل العام.
إذاً، تشير هذه التقارير إلى أنّ المحكمة ستتحوّل إلى أرشيف، أو كما يمكن تسميتها إلى «محفوظات» ستنقل بحسب الاتفاق مع الدولة اللبنانيّة، إلى الأمم المتحدة بعد أن تم نقل بعضها إلى وكالة المحفوظات الهولنديّة في تموز ( يوليو) الماضي. وحتى أنّ هذا النقل، بحسب التقارير الواردة، مُهدّد في حال لم يتم تأمين الأموال، إذ إنّ "عدم تجديد الولاية سيؤثر سلباً في القدرة على تصفية المحكمة على النحو الواجب، (...) وعلاوة على ذلك، فإن أحكام المحكمة لن تكون متاحة باللغتين العربية والفرنسية للسكان اللبنانيين والجمهور على نطاقٍ واسع. ولن تُحفظ سجلّات المحكمة ومحفوظاتها ولا يمكن الوصول إليها ولن يكون هناك موقع شبكي شامل متاح للجمهور، إضافة إلى أنه لا يمكن ضمان التأمين الواجب للمعلومات البالغة الحساسيّة والسريّة التي تقدّمها الدول الأعضاء قبل إغلاق المحكمة".

 

تجدر الاشارة الى عدم صدور اي تعليق رسمي عن الحكومة اللبنانية على قرار انهاء العمل القضائي للمحكمة، في وقت كانت لافتة دعوة النائب اللواء جميل السيد ( الذي استحصل على حكم من المحكمة الدولية بالاعتذار والتعويض عليه ورفاقه الضباط اللواء علي الحاج والعميد ريمون عازار والعميد مصطفى حمدان) الى وزيري الخارجية والعدل باسترداد التجهيزات الخاصة بالمحكمة والتي من الممكن ان تستفيد منها قصور العدل التي تعاني من نقص في التجهيزات، علما ان المعنيين في المحكمة سينقلون هذه التجهيزات الى المخازن او يتخلون عنها لمصلحة محاكم اخرى وخصوصا المحاكم الهولندية التي نقلت اليها بعض محفوظات المحكمة. ويذكر ان هذه التجهيزات تقدر بملايين الدولارات وهي انظمة مراقبة الكترونية امنية متطورة، وتجهيزات  حماية امنية وكشف متفجرات، وقاعات محاكم كاملة، وانظمة هندسات صوتية متطورة وشاشات وكاميرات... ولن يكون امام الامم المتحدة مجال لرفض هذا الطلب لعلمها  بحاجة لبنان اليها، وهو الذي دفع اصلا القسم الاكبر من نفقات شرائها.